المصدر: أريبيان بزنس. اخبار التكنولوجيا المالية – المدفوعات في الشرق الأوسط.
يشتهر مشهد المدفوعات في الشرق الأوسط باعتماده على النقد. وبالرغم من شغف سكان المنطقة بالتقنيات الرقمية وتفضيلهم أساليب غير تقليدية في تعاملاتهم المالية اليومية، إلا أن النقد لا يزال يتمتع بموروث ثقافي قوي يستند إلى قرون من الإمتثال لقاعدة التعامل بالنقد، ما يجعل من الصعب على المستهلكين الابتعاد عن هذا “الموروث النقدي”.
ومع ذلك، فإن المشهد يتغير حالياً مع دخول عوامل مختلفة تمهد الطريق أمام هيمنة المدفوعات الرقمية على المنطقة.
وتشير شركة “ماكينزي اند كومباني” في تقرير حديث بعنوان “مستقبل المدفوعات في الشرق الأوسط” إلى أن هذا التحول الرقمي مرده الضغوط التي يمارسها أقطاب القطاع، القوى التغييرية، أنماط الدفع المتغيرة والتوقعات المتزايدة للبنوك وشركات التكنولوجيا المالية في بيئة سريعة التطور.
وتعزو شركة الإستشارات العملاقة هذا التحول نحو المدفوعات الرقمية إلى المبادرات الحكومية واللوائح التنظيمية الجديدة، إلى جانب دخول موفرين جدد لخدمات دفع فضلاً عن تفشي وباء كورونا، ما أدى إلى تسريع تبني المدفوعات الرقمية بدلاً من النقد في العالم.
ويقول محمد علي يوسف، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان لدى تشيك أوت Checkout.com : “نشهد تحول العديد من الدول في الشرق الأوسط التي كانت تعتمد تقليدياً المدفوعات النقدية نحو المدفوعات الرقمية بنسب أكبر. وقد أحدث الوباء ثورة معينة في المدفوعات، وبالطبع هي ليست من نوع الثورات في الطريق نحو الزوال”.
وبصورة إجمالية، تتضافر هذه العوامل للتصدي لمشكلة تخلف البنية التحتية والخدمات للمدفوعات الرقمية، ومعاناة قطاعات المستهلكين الأفراد والتجار من نقص الخدمات المصرفية، فضلاً عن الموروث الثقافي القوي المؤيد للتعاملات النقدية.
• تبني المدفوعات الرقمية يتسارع إقليمياً
ويذكر تقرير “ماكينزي أند كومباني” أن المدفوعات الرقمية في دولة الإمارات شهدت نمواً حتى قبل تفشي وباء “كوفيد – 19″، لتسجل نمواً سنوياً تخطى نسبة 9% بين عامي 2014 و2019، مقارنة بمتوسط النمو السنوي في أوروبا البالغة نسبته 4 – 5%.
ويعتبر خورخي كامارات الشريك لدى Strategy& ورئيس قسم ممارسة الخدمات المالية للشركة في الشرق الأوسط أنه “يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تتحول نحو المدفوعات غير النقدية بالكامل بحلول عام 2030 والانضمام إلى رابطة الدول التي تتجه نحو مجتمع غير نقدي، ومنها فنلندا والسويد والمملكة المتحدة”.
ويتابع قائلاً: “إن شريحة الشباب من ذوي الشغف بآخر صيحات التكنولوجيا والدعم الحكومي والمخاوف المتعلقة بالسلامة والصحة التي رافقت تفشي وباء ’كوفيد – 19‘ هي الدوافع الرئيسية للإبتعاد عن النقود. وفي الواقع ، تؤكد الإستطلاعات والإحصاءات الأخيرة هذا الاتجاه. وعلى سبيل المثال، أفاد ستاندرد تشارترد بنك بأن السحوبات النقدية من أجهزة الصراف الآلي تراجعت بمقدار النصف مقارنة بالمعدلات التي كانت سائدة قبل عامين”.
وسجلت المملكة العربية السعودية نمواً فلكياً في المدفوعات بواسطة البطاقات تجاوز 70% بين فبراير 2019 ويناير 2020.
وتقول الدكتورة سعيدة جعفر المديرة الإقليمية لمجموعة “فيزا” ونائب الرئيس الأول لعملياتها في منطقة مجلس التعاون الخليجي: “في حين أن التحول نحو المدفوعات غير النقدية بات اتجاهاً عالمياً، وأن أشكال المدفوعات الرقمية بما في ذلك ’انقر للدفع‘ أو ’الدفع اللاتلامسي‘ تمثل الآن أكثر من ثلثي المدفوعات على مستوى العالم، باستثناء الولايات المتحدة، فإن هذه النسبة أكبر في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية”.
وتتابع سعيدة جعفر قائلة: “في الواقع ، فإن 9 من أصل 10 عمليات دفع في المملكة العربية السعودية و 8 من أصل 10 في الإمارات العربية المتحدة تتم باستخدام بطاقات أو أجهزة لا تلامسية. وقد أحرزت الدولتان بالفعل تقدماً ثابتاً نحو التحول إلى اقتصاد غير نقدي، وذلك بفضل المبادرات الحكومية، واقتصر دور الوباء على تسريع هذا الاتجاه فقط”.
وأشار 80% من ممارسي المدفوعات الذين شاركوا في استطلاع “ماكينزي” إلى أن المدفوعات غير النقدية قد ارتفعت بأكثر من 10% في جميع أنحاء المنطقة نتيجة للوباء، في حين قال 43% منهم إن هذه النسبة تجاوزت 20%.
وعلقت جعفر على ارتفاع المدفوعات غير النقدية في المنطقة قائلة إن أحدث استطلاع أجرته “فيزا” بعنوان “إبق آمناً” للعملاء في الإمارات العربية المتحدة “أظهر أن عمليات الدفع النقدي عند التسليم قد انخفضت بشكل كبير (بنسبة 75%)، في حين أن استخدام البطاقات اللاتلامسية ومحافظ الهاتف المحمول للمدفوعات عبر الإنترنت أو عند التسليم قد تضاعف تقريباً (بنسبة 98% في المتوسط)”.
• تفضيلات متغيرة لطرق الدفع
تشهد تفضيلات طرق الدفع في المنطقة تغيرات من جانب المستهلكين والموردين على حد سواء.
وأشار استطلاع “ماكينزي” إلى أن 58% من المستهلكين في الشرق الأوسط أبدوا تفضيلاً قوياً لطرق الدفع الرقمية، بينما فضل 10% فقط الدفع النقدي بقوة.
وكشف استطلاع حديث لشركة “فيزا” بعنوان “تعافي الشركات الصغيرة في 2021” أيضاً أن 60% من التجار الإماراتيين و 84% من التجار السعوديين الذين شملهم الاستطلاع قالوا إن عملاءهم يفضلون الدفع اللاتلامسي.
وأضافت سعيدة جعفر: “ليس من المستغرب في الاستطلاع نفسه، أن يقول 82% من التجار في الإمارات و 71% من التجار في السعودية أن الاستثمار في المدفوعات الرقمية هو مفتاح تعافي أعمالهم”.
وسط التفضيلات المتغيرة في طرق الدفع، يتزايد الإقبال على المحافظ الإلكترونية الرقمية كطريقة دفع مفضلة بشدة من جانب المستهلكين في المنطقة، حيث توقع 60% ممن شملهم الاستطلاع في تقرير “ماكينزي” أن تكون المحافظ الرقمية هي وسيلة الدفع الرقمية الأكثر تأثيراً على المستوى الإقليمي.
ويقول خورخي كامارات في هذا السياق:”نشهد ارتفاعاً في طرق الدفع البديلة أو عبر الهواتف النقالة، مثل Apple Pay و Samsung Pay و Google Pay بالإضافة إلى المحافظ الرقمية المحلية مثل تطبيق ’زينة‘ Ziina للدفع من النظير للنظير P2P. كما أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي والهيئات التنظيمية تدعم مثل هذه الابتكارات من خلال أطر تنظيمية حديثة صديقة للشركات الناشئة”.
• دعم من لوائح تنظيمية جديدة
سمحت التغييرات على صعيد اللوائح التنظيمية الأخيرة في الشرق الأوسط بتوسع سوق المدفوعات إقليمياً ليشمل شركات التكنولوجيا المالية الناشئة وشركات التكنولوجيا، إلى جانب البنوك التقليدية.
ويقول محمد علي يوسف: “إن الجهات التنظيمية في المنطقة تقدم الدعم للابتكار في مجالي التكنولوجيا المالية والمدفوعات، وتتطلع إلى قيادة عملية تبني الدفع الرقمي، وتشجيع التعاون والمنافسة العادلة”.
ولدى سؤال المشاركين في استطلاع “ماكينزي” عن المؤسسات التي سيكون لها تأثير أكبر في مستقبل المدفوعات، صنّف حوالي 40% منهم البنوك أو المحافظ الرقمية المدعومة من البنوك في المرتبة الأولى، واختار 30% المحافظ الرقمية المدعومة من شركات الاتصالات، في حين صوّت 17% لمصلحة الشركات التكنولوجية العملاقة.
ومع ذلك، فإن 62% من المشاركين في الاستطلاع الذين توقعوا أرجحية البنوك والمحافظ المدعومة من البنوك كانوا من البنوك. وعندما كان على المشاركين في الاستطلاع تحديد خيارهم الثاني، أشار أكثر من 50% من البنوك إلى أن الشركات التكنولوجية العملاقة كانت في وضع أفضل.
وقال خورخي كاماراتي معلقاً على التهديد الذي تشكله شركات التكنولوجيا المالية على البنوك التقليدية: “لمواكبة المتغيرات، يجب على البنوك وكبرى الشركات التي تقوم بعمليات إستحواذ تحويل التركيز من تعزيز بناء القدرات إلى تعزيز تطوير الحلول ومعالجة القيمة الناشئة التي يتم تجاهلها تقليدياً للشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال ابرام الشراكات، والنظم الإيكولوجية التعاونية”.