المصدر: فريق Moneybloomz
يواجه العالم في الوقت الحالي أزمة متصاعدة في توفير أشباه الموصلات وبالتالي الرقائق الإلكترونية أو ما يدعوها البعض المعالجات. الرقائق الإلكترونية هي مكون رئيسي لأي جهاز إلكتروني في العالم من حواسيب وهواتف وسيارات حديثة وفي العقد الأخير فهي من أهم مكونات تعدين العملات المشفرة.
وتوقع بنك غولدمان ساكس أن تؤثر هذه الأزمة على أسعار السلع المرتبطة بها مثل الإلكترونيات والسيارات الحديثة وقد قدر البنك هذا الأثر بارتفاع يتراوح بين 2 إلى 6% في أسعار هذه السلع أي بمتوسط قدره 3% أيضًا وتوقع البنك تضخم بنسبة 0.4% في الاقتصاد الأميركي بسبب هذه الأزمة.
بدأ يتضح النقص في الرقائق الإلكترونية منذ حوالي ثلاث سنوات بالتزامن مع الانتعاش الكبير في سوق العملات المشفرة والرقمية وخاصةً بعد الذروة التي وصل إليها ذلك السوق في 2017. ولكن العام الجاري كان مليئًا بالأحداث التي ساعدت في تفاقم الأزمة. من أبرز هذه الأحداث العواصف الثلجية في تكساس فبراير الماضي والتي تسببت في اقفال عدة مصانع للرقائق الإلكترونية منها مصنع سامسونج ومصنع إن إكس بي ومصنع إنفينيون، أيضًا حريق مصنع ريناسيس في اليابان مارس الماضي والذي كان ينتج 30% من الشرائح المستخدمة في السيارات الحديثة على مستوى العالم والذي أثر على شركات مثل تويوتا وهوندا ونيسان وكان وباء كوفيد – 19 الذي اجتاح العالم بداية العام الماضي صاحب الأثر الأكبر على تفاقم أزمة الرقائق أو الشرائح الإلكترونية.
إجراءات الإقفال التي تم تطبيقها نتيجة للوباء أعاقت بشكل كبير سلاسل توريد الرقائق الإلكترونية والتي كانت من أبرز أسباب تعطل الإنتاج بالإضافة إلى إجراءات الحظر التي تم تفعيلها في كثير من الدول وأوقفت الأفراد عن العمل. أيضًا تخفيض شركات السيارات لإنتاجها في الربع الثاني من العام الماضي تسبب في زيادة ملحوظة في الطلب. وأخيرًا الإنتاج الضخم للقاحات والذي بدوره يستلزم انتاج أكبر من زجاجات اللقاح التي تصنع من السليكون – وهو شبه موصل ويعد العنصر الرئيسي لصنع الرقائق – تسبب في ارتفاع تكلفة السليكون.
تعدين العملات المشفرة هو السبب؟!
ربما معظم الأحداث التي تسببت في تفاقم أزمة توفير الرقائق الإلكترونية عالميًا عارضة بما فيها الوباء الذي سينتهي عاجلًا أو آجلًا أما العامل الذي لا يبدو أنه سينتهي قريبًا هو الانتعاش في سوق العملات المشفرة والذي يتوسع كل يوم بشكل كبير وتزداد شعبيته برغم ظنون البعض بأن العملات المشفرة والرقمية هي فقاعة ولكن بغض النظر عن مدى صواب هذا الاعتقاد فإن هذا لا ينفي الأثر الكبير لعمليات التعدين الضخمة التي ساهمت في تفاقم أزمة الرقائق حتى اعتبرها مسئولون أمريكيون منهم وزيرة التجارة أنها أزمة تضر الأمن القومي الأميركي.
تستخدم الرقائق الإلكترونية في تعدين العملات المشفرة وكلما تطورت تكنولوجيا هذه الرقائق زاد ذلك من سرعة التعدين. وفي ظل رواج العملات المشفرة فإن الطلب عليها في تزايد شديد والذي بدوره تسبب في استهلاك نسبة كبيرة من الرقائق الإلكترونية حيث قالت شركة تي. إس. إم. سي التايوانية – وهي ثالث أكبر مصنع للرقائق الإلكترونية في العالم أن طلب المعدنين (شركات تعدين العملات المشفرة) على الرقائق خلال الانتعاشة الأخيرة في سوق البتكوين كان يمثل عشر إجمالي مبيعاتها وبسبب الأثر السلبي الكبير على توافر الرقائق الإلكترونية والذي أثر على صناعات عديدة قامت شركة الألعاب نيفيديا بتصميم رقائق تقل كفاءتها بنسبة 50% عند استخدامها في التعدين.
من المتضرر والمتأثر؟
كما سبق الذكر، هناك العديد من القطاعات التي تستخدم الرقائق في صناعة منتجاتها ولن نكون مبالغين إن افترضنا أن هذه الأزمة ستؤثر في كل القطاعات والصناعات بشكل أو بآخر. من الصناعات التي تأثرت بشكل بالغ بأزمة الرقائق هي صناعة السيارات حيث اضطرت أكبر شركتان من حيث الإنتاج – وهما فولكسفاجن وتويوتا – إلى تقليص انتاجهما إثر هذه الأزمة، كما ستقوم جاغوار ولاند روفر بإغلاق مصنعين لها جزئيًا ابتداءً من يوم الاثنين الموافق 26 من أبريل الجاري، أيضًا رينو الفرنسية حذرت من الأزمة وقد عانت تراجعًا في مبيعاتها بالفعل في الربع الأول من العام الجاري كما ذكرت الشركة في بيان لها الخميس الماضي 22 أبريل أن آثار حريق اليابان وعاصفة تكساس بدأت في الانعكاس على انتاجها من السيارات.
الأزمة مداها أبعد من شركات صناعة السيارات التي قد تتخلى عن عشرات آلاف الوظائف حول العالم وينعكس هذا على القدرة الائتمانية لهذه الفئة وما يتبعها من تأثر لقطاع التكنولوجيا وحجم اعتماد العالم على التكنولوجيا خلال جائحة كورونا. وبالتالي يفرض عائقاً جديدا على قطاعات حيوية تعتمد على أشباه الموصلات.
إن ارتفاع أسعار السيارات حول العالم نتيجة زيادة الطلب وقلة المعروض المتوقع سيفرض تحدياً تمويلياً على الأفراد والشركات والبنوك. ويتمثل هذا التحدي بزيادة في الأسعار تعكس ارتفاع قيمة التمويل ومعدل الفائدة المحتسبة وزيادة قيمة الأقساط التي يتعين سداداها وما يلي ذلك من ارتفاعات في الأسعار بشكل عام. وكذلك فإن هذا الارتفاع إن حدث، سيكون من شأنه أن يرفع تكلفة الاقتراض على الشركات ويقلل من أرباحها في ظل استمرار تداعيات جائحة كورونا.
من الشركات التي تأثرت بالأزمة شركة ستالانتيس والتي تسببت الأزمة في استبدالها لمؤشر السرعة الرقمي في سيارتها بيجو بمؤشر عادي نتيجة لنقص الرقائق. هذه الشركات ليست الوحيدة التي تأثرت بالأزمة بل هي مجرد عينة منها.
ربما أثر نقص الرقائق لم يظهر بنفس القوة في صناعة الهواتف والحواسيب بعد وقد اقتصر هذا الأثر على احتمال تأجيل شركات الهواتف اصداراتها القادمة مثل سامسونج التي أعلنت مارس الماضي عن احتمال إلغاء إطلاق إصدارها الجديد من سلسلة جلاكسي نوت ولكن من المؤكد أن أزمة الرقائق إن استمرت لمدة أطول قد يزداد الوضع سوءً ربما بطفرة في أسعار الإلكترونيات من هواتف وحواسيب وغيرها وربما بعرقلة التطور التكنولوجي في هذه القطاعات.
كل هذه التأثيرات من شأنها أن تنعكس على قطاعي الاستيراد والتصدير المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالبنوك وتسهيلاتها الائتمانية المقدمة وغيرها من عناصر التأثر ذات الصلة.
كيف تتأثر الأسهم وما هي توجهات الاستثمار المحتملة؟
كما هو متوقع في ظل أزمة كهذه فإن أسهم الشركات المتضررة قد انخفضت بينما أسهم موردي وصانعي الرقائق قد ارتفعت. وهذا ما حدث بالفعل لقد تسببت الأزمة في القضاء على مستويات قياسية حققتها بعض الشركات في أسعار أسهمها، فعلى سبيل المثال تأثر سهم شركة تويوتا الذي كان في أعلى مستوياته خلال الست سنوات الأخيرة لينخفض سعره بنسبة 6.1% بسبب حريق شركة ريناسيس في اليابان مارس الماضي. أيضًا أثر هذا الحريق على سهم جنرال موتورز بنسبة 6.7% سلبًا خلال ثلاث أيام فقط. وقد سجل مؤشر بلومبيرغ لشركات السيارات انخفاضًا بمقدار 14% بسبب الأزمة وتعطل الإنتاج في هذه الشركات.
على عكس شركات السيارات، فإن أسهم شركات الهواتف لم تتأثر بالأزمة بنفس القدر حتى الآن. فقد ارتفع سهم شركة آبل في الفترة الحالية بينما تأثرت شركة شاومي عند حذرت من أثر أزمة الرقائق على انتاجها حيث انخفض سعر سهمها بنسبة 4.4% ولكن غير ذلك لم تكن هناك آثار سلبية ملحوظة على أسعار أسهم شركات الهواتف.
أما أسهم شركات موردي الرقائق فقد ارتفعت مارس الماضي ولكن ليس بالقدر المتوقع، حيث ارتفع سهم شركة انفينون بنسبة 12% أما سهم شركة إس تي مايكروإلكترونيكس بنسبة 5.6% فقط وارتفع سهم شركة تكساس انسترومنتس بنسبة 15% ولكن هناك أسهم حققت ارتفاعات أعلى منها سهم شركة إن إكس بي – أحد الشركات التي تأثرت بعاصفة تكساس – الذي ارتفع بنسبة 25%، وارتفع أيضًا سهم شركة أون سيميكوندكتور بنسبة 24 %.
إن تراجع أسهم أسعار الشركات المتأثرة ربما يفتح شهيه المستثمرين من حول العالم للاستثمار في هذه الشركات وربما يكون طريقاً لتغير خريطة الملكية في هذه الشركات والتي ربما تتأثر خططها التمويلية المرتبطة بالبنوك ويكون هناك انكشاف غير متوقع على بنوك كبيرة تمنح مثل ذلك النوع من هذه التمويلات. وربما يكون المجال مفتوحاً أمام حدوث اندماجات “نادرة الحدوث في هذا القطاع” بما يشكل وجود كيانات اقتصادية كبيرة.
ومن شأن هذه الأزمة أن تقود الاستثمارات باتجاه أسهم شركات التكنولوجيا خاصة المرتبطة بتصنيع رقائق أشباه الموصلات.
ووفقاً لأحدث التقارير في هذا الصدد، تعتزم إنتل استثمار 20 مليار دولار في صناعة الرقائق الإلكترونية، فيما تستثمر شركة تي سي إم سي مائة مليار دولار.
الحلول المنتظرة
اقترح الرئيس الأميركي جو بايدن ضمن خطة لتطوير البنية التحتية تخصيص 50 مليار دولار لمؤسسة العلوم الوطنية لتقوم بإنشاء هيئة تكنولوجية تقوم بالتركيز على صناعة الرقائق الإلكترونية. وعلى مستوى القطاع الخاص فإن شركة إنتل تستعد لإنشاء مصنعين للرقائق بتكلفة 20 مليار دولار في ولاية أريزونا في الولايات المتحدة كما تحاول إنتل أن تصبح البديل المحلي لشركة الرقائق التايوانية تي إس إم سي في أميركا في ظل خطط للشركة التايوانية بإنشاء مصنع لها في أميركا. أما الصين فقد بدأت زيادة استثماراتها في صناعة الرقائق ضمن خطة لتغطية الطلب المحلي لديها بحلول عام 2030، وأخيرًا قرر الاتحاد الأوروبي تقليل اعتماده على التكنولوجيا الغير أوروبية والتي من أبرزها تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية والتي تستحوذ على إنتاجها شركات صينية وأميركية ويخطط الاتحاد الأوروبي لإنتاج 20% على الأقل من الإنتاج العالمي للرقائق الإلكترونية بحلول عام 2030 في سوقٍ عالمية يبلغ حجمها اليوم 440 مليار دولار وتمتلك الصين ما يقارب من 20٪ من حصة الإنتاج العالمي من أشباه الموصلات.