13311752871553770987

المصدر: الشرق بلومبيرج.
عندما يرغب الأطباء في معرفة مدى قدرة تحمّل القلب للإجهاد يجعلون المرضى يمارسون الركض على جهاز المشي، وهذا ما تطبّقه الجهات التنظيمية في القطاع المالي على البنوك، لكن دون الاستعانة بجهاز المشي طبعًا، وذلك لمعرفة قدرة البنوك على الصمود في وجه الأزمات المالية وتصنيفها.

تخضع البنوك ضمن ما يُعرف باختبارات تحمل الضغط إلى محاكاة للسيناريوهات التي قد تحدث في السوق المالية؛ فمثلاً كيف ستتعامل مع الوضع إذ ارتفعت أسعار الفائدة؟ أو إن انهار اقتصاد الصين؟ ماذا لو ازدادت نسبة البطالة وخسرت المنازل خُمس قيمتها؟ وماذا لو حدث كل ذلك في آنٍ واحد؟

أصبحت هذه الاختبارات التي تفحص سلامة النظام المصرفي إحدى الأعمدة التي ترتكز عليها الرقابة المصرفية عقب الأزمة المالية عام 2008، حيث أن بعض هذه الاختبارات نجحت أكثر من غيرها في إعادة الثقة للنظام المصرفي.

الوضع الحالي
بعد مرور 10 سنوات من تشديد الرقابة على البنوك، أصبحت اختبارات تحمل الضغط إجراءً روتينيًا تستعين به الجهات التنظيمية كأداة لدفع البنوك إلى زيادة احتياطي رأس المال، كإجراء احترازي ضد التعرض لأي خسارة ولتقليل المدفوعات النقدية وتحسين عمليات رصد المخاطر.

وفي عام 2018، نجحت جميع البنوك بالولايات المتحدة في اجتياز اختبار تحمل ضغط الاحتياطي الفيدرالي باستثناء بنك “دويتشه” (Deutsche) في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أجبرت نتائج الاختبار 6 بنوك على تخفيض اقتراحات توزيع الأرباح على المساهمين. في المقابل، تمكّنت جميع المؤسسات المصرفية ولأول مرة من اجتياز اختبار تحمل الضغط الذي أُجري عام 2017.

وأعلنت أوروبا نتائج آخر اختبار تحمل ضغط أجرته في نهاية عام 2018، إذ أن الجهات التنظيمية تخلت عن إصدار النتائج باعتماد النجاح والرسوب في عام 2016. وقد أعادت نتائج اختبار عام 2016 تسليط الأضواء على البنوك التابعة لإيطاليا، كما حدث في 2014.

ففي اختبار العام 2014، فشل 25 من أصل 130 بنكًا من بنوك أوروبا كأكبر اختبار من نوعه أجري في القارة، والذي كان يهدف إلى إعادة الثقة في السوق الأوروبية، وإنهاء الركود في عمليات الإقراض الذي استمر لعامين حيث كان يحول دون تعافي الاقتصاد الأوروبي، ولكن اختبار تحمل الضغط الأخير لم يسلم من الانتقادات نظرًا لمحدودية نطاقه.

يمكن النظر إلى اختبار تحمل الضغط الذي أجراه مجلس الاحتياطي الفيدرالي عام 2009 بأنه الأكثر فعالية إلى الآن، ففي خضم أزمة الانهيار الاقتصادي التي تعدّ الأسوأ منذ أزمة الكساد العظيم، لم ينجح 10 من أصل 19 من البنوك الكبيرة في الاختبار، بعد أن أظهرت النتائج عجزًا في رأس المال بقيمة 75 مليار دولار.

وبمجرد سد قيمة العجز هذه، شعر المستثمرون براحة لثقتهم بأنه لن يكون هناك المزيد من المفاجآت السيئة وأن الاحتياطي الفيدرالي تمكّن من إدراك حجم المشكلة. فيما فشل عدد قليل فقط من البنوك الأمريكية في اجتياز اختبارات تحمل الضغط، واتُخذت على إثر ذلك إجراءات تتضمن إيقاف توزيع الأرباح وتعديل خطة توزيع رأس المال بما يتماشى مع متطلبات الجهات التنظيمية.

في عامي 2011 و2012، وصلت آثار الأزمة الاقتصادية العالمية إلى أوروبا؛ حيث ساهمت أزمة الديون السيادية في ازدياد الخسائر المترتبة على المقرضين الذين يملكون سندات حكومية لكلٍ من اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال، عندها أصبح الشغل الشاغل للمستثمرين أن يجدوا إجابةً على سؤال جوهري: ما الذي سيحدث إن لم تسدد إحدى دول منطقة اليورو قيمة السندات؟ خاصة وأن الحكومات لا تخضع لاختبار تحمل الضغط.

يضاف إلى ذلك ما حدث عام 2010، إذ تمكن بنكان في إيرلندا من النجاح في اختبار تحمل الضغط، لكنهما لاحقًا احتاجا إلى مساعدة الحكومة لإنقاذهما من الإفلاس. وفي حادثة أخرى مشابهة، انهارت المؤسسة المصرفية البلجيكية “ديكسيا” (Dexia) على الرغم من اجتيازها اختبار عام 2011، وذلك بعد 3 أشهر فقط من إطلاق البنك التابع لها.

أدى ذلك إلى تولي البنك المركزي الأوروبي في عام 2014 مهمة الإشراف على أكثر من 100 بنك في دول منطقة اليورو، ما ساعد في زيادة صعوبة الاختبار وجعله أكثر صرامة، واضطرت المؤسسات إلى زيادة الاعتمادات المخصصة لتغطية القروض المتعثرة.

الجدل الدائر
عندما يشك المستثمرون أن اختبار تحمل الضغط سهل جدًا، سيؤدي ذلك إلى خلق حالة من الارتباك والتقلب في الأسواق المالية وإضعاف الثقة بالنظام المالي، أو حتى ازدياد المخاوف حول احتمالية التعامل مع البنوك الضعيفة، لذلك تعمل الجهات التنظيمية جاهدة على صقل اختبارات تحمل الضغط وتحسينها للتأكد من صرامتها بما يكفي لتعزيز الثقة في البنوك دون التضييق على عمليات الائتمان.

وُتعتبر البنوك شركات غامضة والأمر ذاته بالنسبة لعملية إدارة الشؤون المالية، وبالتالي فإن أسوأ الاحتمالات هي إجراء اختبار غير واضح أو يفتقر إلى المصداقية. وعندما لا يعود البنك قادرًا على الاقتراض أو الإقراض يندرج عندئذ تحت مسمى “بنوك الزومبي”في إشارة إلى كونها بلا نفع دون الاعتماد على الدعم الحكومي.

هنا يأتي دور الاختبارات التي قدّمت لمديري البنوك والجهات التنظيمية أدواتٍ أفضل لرصد ومراقبة العلاقات المعقدة ما بين الإقراض والتداول التي تشكّل النظام المالي، حيث توفر البيانات اللازمة لمواجهة المشاكل الاقتصادية والتي لم تكن متوفّرة خلال الأزمة المالية عام 2008، ما أدى إلى فشل عشرات البنوك في جميع أنحاء العالم.

الآن وبعد مرور ما يزيد على عقد من الزمن، بدأ الضغط السياسي الذي يسعى للتخفيف من الرقابة والتنظيم يثمر في بعض المجالات، لكن بغض النظر عن حجم الدور الذي تلعبه هذه السياسات، يجب أن نتذكر أن اختبارات تحمل الضغط وُضعت لتبقى.