الجرائم المالية وغسيل الأموال تثير مخاوف القطاع المصرفي حول العالم

المصدر: الشرق بلومبيرغ

عبارة “إذا رأيت شيئًا، قُل شيئًا” لا تتعلق فقط بالطرود المتروكة في مترو الأنفاق، إذ لدى البنوك حول العالم التزام مماثل للإبلاغ عن أيّ أنشطة أو معاملات مريبة.

ويتلخّص خط الدفاع الأول ضدّ غسل الأموال والجرائم المالية الأخرى غالباً في الآلاف من موظفي البنوك الذين يبلّغون عن المعاملات التي لا تبدو سليمة بطريقة ما أو من يُحِيلون تلك المعاملات إلى الجهات المسؤولة للتحقيق والتدقيق فيها.

وتُعرف هذه الإحالات في الولايات المتحدة، بتقارير الأنشطة المشبوهة أو “SARs”، حيث ذكِرَت تلك التقارير في أكتوبر الماضي، عندما أُلقي القبض على مسؤول في وزارة المالية واتُّهِم بتسريب تقارير الأنشطة المشبوهة المتعلقة بمسؤولين سابقين إلى وسائل الإعلام.

وظهرت في الآونة الأخيرة، ادعاءات بأن “دويتشه بنك إيه جي” حجب تقارير الأنشطة المشبوهة. وعلى عكس بعض طرق المراقبة المالية الأخرى فإنّ تقارير الأنشطة المشبوهة تسكن عالمًا مليئًا بالمناطق الرمادية.

1. ما هي تقارير الأنشطة المشبوهة “SAR”؟
وأُلِزمَت البنوك والمؤسسات المالية الأخرى بداية من عام 1992، تقديم تقارير الأنشطة المشبوهة إلى وزارة الخزانة الأمريكية، التي تهدف إلى تنبيه السلطات إلى عمليات غسل الأموال المحتملة، أو تمويل الإرهابيين، أو انتهاكات العقوبات، أو الفساد السياسي، كما أنه ليس نفس القانون الذي يُلزم البنوك الإبلاغ عن المعاملات النقدية الكبيرة التي وجدت طريقها إلى دراما الجريمة التي لا تُحصى، إذ إنّ ذلك القانون يُعرف بتقرير المعاملات النقدية أو “CTR”.

2. ما الفرق بين تقريرَي “SAR” و”CTR”؟
تتضمن تقارير المعاملات النقدية “CTR” حدودًا واضحة بالقيمة الدولارية، وعلى الأخصّ أيّ معاملة بين الأفراد تزيد على 10000 دولار، بينما تتضمن تقارير الأنشطة المشبوهة “SARs” إرشادات ذاتية أكثر بكثير.

3. مَن يقرِّر أن هذا النشاط مشبوهٌ؟
ورغم أن العملية تختلف بحسب المؤسسة، فإنها تبدأ عادةً بتنبيهات تنشأ تلقائيًّا بواسطة أجهزة الحاسب الآلي بناءً على معايير محدّدة مسبقًا، ثم يفحص الأشخاص الحقيقيون تلك التنبيهات واحدًا تلو الآخر.

وأوكلت بعض البنوك الكبرى هذه الوظيفة إلى موظفين يتقاضون أجورًا متدنية في دول معينة أو الأسواق الناشئة الأخرى، وكذلك إلغاء معظم تلك الوظائف.

ثم تُرسَل مجموعة فرعية من المعاملات المشبوهة إلى مجموعة أخرى من الموظفين داخل البنك، تحللها مرة أخرى وتقلل عدد المعاملات التي ستُضمَّن في تقرير”SAR” ومِن ثَمّ يُقدَّم إلى وزارة الخزانة. كما يُجرى مزيد من التحقيقات الداخلية لبعض أكثر المعاملات الكاشفة لمعرفة ما إذا كان ينبغي استبعاد بعض العملاء لكونهم يشكلون مخاطر جرائم مالية كبيرة.

وتعمل هذه الفرق عادةً بشكل مستقلّ داخل المؤسسات، إذ تقدِّم تقارير الأنشطة المشبوهة التي يرونها ضرورية دون الحصول على موافقة الإدارة العليا.

4. ماذا يحدث بعد ذلك؟
وتعمل شبكة مكافحة الجرائم المالية في وزارة الخزانة الأمريكية، والمعروفة باسم “FinCEN”، كغرفة تبادل معلومات عملاقة، إذ تصل جميع تقارير الأنشطة المشبوهة “SARs” إليها في البداية، ثم تُحال إلى سلطة إنفاذ القانون ذات الصلة مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي أو المكتب المحلي في المنطقة المختصة، إذا ما تم التحقق منها واعتبارها جديرة بالملاحظة.

ومن جانبها، تشكو البنوك من عدم حصولها عادةً على أيّ تعليقات حول ما إذا كانت تقارير الأنشطة المشبوهة التي قدمتها ساعدت في القبض على المجرمين.

ووفقًا لأحد استطلاعات الرأي التي أُجريَت عام 2018 داخل أكبر البنوك في أمريكا، فإنّ السلطات تستوضح من البنوك عن نحو 4% فقط من التقارير المقدمة، كما أنه لا توجد بيانات حول نسبة تقارير الأنشطة المشبوهة التي تسفر عن الاعتقالات أو الإدانات.

5. كم مرة تُقدَّم تقارير “SAR”؟
وبلغ متوسط طلبات رفع تقارير الأنشطة المشبوهة “SAR” خلال العقدين الأولين بعد إنشاء نظام الإبلاغ، نحو 100 ألف طلب في السنة، وفي عام 2013، قفز هذا الرقم إلى أكثر من مليون طلب بعد أن فرضت وزارة العدل والمنظمون المصرفيون غرامة بلغت 1.9 مليار دولار على شركة “إتش إس بي سي” القابضة للخدمات المالية لفشلها في القيام بما يكفي لمراقبة غسل الأموال داخل عملياتها العالمية.

وتبع ذلك سلسلة من المحاكمات البارزة الأخرى للبنوك الكبيرة، مما أدى إلى فرض غرامات بقيمة 20 مليار دولار تتعلق بغسل الأموال وانتهاكات العقوبات.

وشددت الجهات التنظيمية للبنوك الأمريكية الرقابة على الجهود المبذولة لضبط التحويلات المالية، وقد أدت جميع هذه الخطوات إلى ارتفاع عدد طلبات رفع تقارير “SAR” في الولايات المتحدة، إذ بلغ عدد الطلبات المقدَّمة من قِبل البنوك فقط نحو 3 ملايين خلال العام الماضي، كما قُدِّم مليونا طلب مِن قِبل شركات الأوراق المالية وشركات التأمين والكازينوهات والكيانات المالية الأخرى لرفع تقارير الأنشطة المشبوهة لوزارة الخزانة الأمريكية.

6. كم تبلغ تكلفة مكافحة الجرائم المالية؟
كثيرًا، فبعد فرض غرامة مالية باهظة عليه، ضاعَف بنك “إتش إس بي سي” عدد موظفي أقسام مكافحة الجرائم المالية إلى 5000 موظف، ما يقدر بنحو خمسة أضعاف العدد السابق، كما ضاعفت البنوك العالمية الكبيرة الأخرى مستويات الموظفين، التي تبلغ حاليًّا، في المتوسط، نحو 2000 موظف في أقسام مكافحة الجرائم المالية.

وكشف استطلاع للرأي في عام 2018 عن إنفاق أكبر 14 بنكًا حاليًّا 2.6 مليار دولار سنويًّا على مكافحة الجرائم المالية.

7. هل يحدث هذا في الولايات المتحدة فقط؟
وتلتزم المؤسسات المالية في جميع الاقتصادات الكبرى، بشكل من الأشكال، الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة، وفي هذا الإطار، أسَّس اليوروبول، الوكالة المركزية لمكافحة الجريمة بالاتحاد الأوروبي، شبكة حاسب آليّ لتسهيل تبادل المعلومات بين وحدات الاستخبارات المالية بالكتلة، ويُقدَّم ما يقرب من مليون تقرير حول المعاملات المشبوهة “”STR داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سنويًّا.

ويناقش الاتحاد الأوروبي حاليًّا ما إذا كان ينبغي أن يكون لديه جهاز تنظيم مصرفيّ مركزيّ يختص بالإشراف على جهود المقرضين لمكافحة الجرائم المالية، بعد أن كشفت عمليات غسل الأموال البارزة الأخيرة عن الافتقار إلى التنسيق داخل الكتلة.

وتبتلع المشكلة ذاتها جهود الصين لمكافحة غسل الأموال، إذ تُرسَل النسخة الصينية من تقارير الأنشطة المشبوهة “SAR” إلى 38 سلطة مختلفة، مما يتسبب في تجزئة التحليلات وتعميمها.