المصدر: اندبندنت عربية.
مع زيادة التحول إلى الخدمات الرقمية خلال أزمة وباء كورونا هذا العام، يُتوقع أن تركز الشركات والدول على تطوير التكنولوجيا كرأس حربة في مرحلة التعافي، كما خلص تقرير لوحدة استخبارات مجلة “الإيكونوميست”.
واستعرض التقرير، وعنوانه “الاضطراب الرقمي: المخاطر والفرص في التحول أونلاين”، الفرص المتوقعة للأعمال في التوجه نحو قطاع جديد قد يكون قاطرة النمو الاقتصادي في السنوات الثلاث المقبلة.
وقبل استعراض التقرير، تجدر الإشارة إلى أن الشهر الأخير من هذا العام شهد عيّنة مهمة لما قد يواجهه العالم نتيجة زيادة الاعتماد على الخدمات الرقمية لكبرى الشركات التكنولوجية. ففي يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عانى الملايين من مستخدمي “فيسبوك” من تعطل مفاجئ لخدماته، بما في ذلك “مسنجر” و”واتساب”.
وبعد أيام قليلة (في 14 ديسمبر تحديداً) انهارت أغلب خدمات “غوغل” (باستثناء محرك البحث)، بما فيها “يوتيوب” والبريد الإلكتروني “جي ميل” وغيرهما. حتى تطبيق “سلاك” للتواصل في الشركات والمكاتب، الذي يُدخل إليه عبر حسابات “غوغل” تعطل.
كان يمكن لمثل هذه الأعطال العام الماضي ألا تترك التأثير نفسه الذي خلفته مع اعتماد أغلبية الناس على الإنترنت والتواصل عبر التطبيقات الرقمية نتيجة إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا. لذا، كان عطل “مسنجر” و”واتساب” و”غوغل كونكت” وغيرها مشكلة احتلت العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام عبر العالم.
اضطراب السوق
وعلى مدى هذا العام أدى التحول إلى التعامل عبر الإنترنت، من التسوق الإلكتروني والتعاملات المالية الرقمية إلى الترفيه والتعلم عن بعد، إلى حصول اضطراب في الأسواق نتيجة معدلات التكيف المتباينة للقطاعات المختلفة مع التحول الرقمي السريع.
ويتوقع تقرير وحدة “الايكونوميست” أن يزيد هذا التأثير على السوق مع استمرار عمليات التحول الرقمي في مرحلة التعافي الاقتصادي ما بعد أزمة وباء كورونا. ولا يقتصر الاضطراب في السوق على شركات التكنولوجيا، إنما يشمل قطاعات الاقتصاد كافة، بما في ذلك مؤسسات الاستشارات وتقديم حلول الأعمال وشركات الأمن الإلكتروني وغيرها.
يضاف إلى ذلك أن القوانين ولوائح تنظيم الأعمال السابقة لم تعد تتسق تماماً مع التحول الرقمي السريع في مختلف القطاعات، بخاصة أنه من المتوقع أن يستمر كثير من الممارسات الجديدة التي تم تبنيها خلال الوباء لما بعد تجاوز الاقتصاد العالمي للأزمة.
ولن يكون تطوير القطاعات الاقتصادية متساوياً، كذلك لن تتساوى دول العالم سواء من الاقتصادات المتقدمة أو الصاعدة أو النامية في تطوير التكنولوجيا واعتماد الإنترنت، ما سيجعل اضطراب الأسواق مستمراً ربما حتى 2023.
فرص صاعدة
على الرغم من أن تسريع التحول الرقمي في قطاعات اقتصادية عدة في 2020 كان نتيجة فترات الإغلاق، إلا أن هذا المنحى مرشح للاستمرار في الفترة المقبلة. ومع بدء انتعاش الاقتصاد والتعافي من الأزمة نتيجة توفر اللقاحات والتوسع في تطعيم نسبة كبيرة من البشر حول العالم، ستبحث الشركات عن فرص صاعدة لضمان التوسع والنمو، وأغلبها سيكون معتمداً على التكنولوجيا والتحول الرقمي.
حسب الأرقام والبيانات من موقع “إدج” التابع لشركة “آسنشيال” للأبحاث، فإن المبيعات عبر الإنترنت في أكبر 60 اقتصاداً في العالم زادت بنسبة 30 في المئة هذا العام 2020. ويتوقع أن تنمو هذه المبيعات عام 2021 بنسبة 18 في المئة، لتصبح بحلول عام 2025 نحو 20 في المئة من إجمالي مبيعات التجزئة، مقابل 10 في المئة عام 2019.
ولا يقتصر الأمر على مبيعات التجزئة، بل في قطاع مبيعات السيارات على سبيل المثال يتوقع أن تشكل المبيعات عبر الإنترنت بحلول عام 2025 ما يصل إلى 25 في المئة من إجمالي المبيعات (مقابل نسبة 5 في المئة العام الماضي قبل وباء كورونا).
ومثل المبيعات عبر الإنترنت، يتوقع أن تستمر الخدمات المالية في التحول الرقمي، مع ما يتطلبه ذلك من تطوير البنوك والمؤسسات المالية لبرامج كمبيوترية وتطبيقات هواتف ذكية لتقديم كافة خدمات الدفع والتحويلات وغيرها عبر الإنترنت. هذا بالإضافة إلى احتمالات التحول إلى عملات رقمية على حساب النقد المادي (الورقي والمعدني).
من المجالات التي ستوفر فرصاً جديدة أيضاً للشركات والأعمال تطبيقات الاتصال وتطوير الحالي منها لتلبية احتياجات العمل وتقديم الخدمات الصحية عن بعد، كما التعليم والترفيه. أيضاً، هناك مجال آخر مرشح للنمو والتوسع بقوة في الفترة المقبلة مع خفوت أزمة الوباء هو قطاع المعلومات وتحليلها.
وشهدنا بالفعل خلال فترة الوباء هذا العام عمليات استحواذ واندماج في قطاع شركات تناول ومعالجة وتحليل المعلومات استعداداً للفترة المقبلة التي ستشهد ازدهاراً.
مخاطر محتملة
ويشير تقرير وحدة “الايكونوميست” إلى مخاطر عدة ستواكب هذا النمو السريع والقوي في تلك المجالات الجديدة. ومن بين أهم تلك المخاطر، الحاجة لاستثمارات هائلة في البنية التحتية لشبكات الاتصالات. فزيادة الطلب على الخدمات الرقمية وتحول كثير من النشاطات الاقتصادية إلى أونلاين سيزيد الضغط على الشبكات بوضعها الحالي. وما لم تشهد تلك الشبكات تحديثاً كبيراً وواسع النطاق ستتكرر الأعطال كما حدث أخيراً مع “غوغل” و”فيسبوك” وغيرهما.
كما أدت أزمة كورونا إلى تأخير طرح شبكة الهواتف الموبايل الجديدة للجيل الخامس 5G، وهي من الاستثمارات البارزة التي يمكن أن توفر نطاق الإنترنت الكافي لتلبية زيادة الطلب على الخدمات الرقمية. وفي نحو 60 بلداً يغطيها التقرير، لا يتوقع أن تستكمل نصفها طرح شبكة الجيل الخامس هذا العام (47 في المئة فقط قد تستكمل طرح الشبكة في 2020).
من العوامل التي تعطل هذا التحديث الرئيس والهام في البنية التحتية لقطاع الاتصالات استمرار الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. وعلى الرغم من التغيير في الإدارة الأميركية الشهر المقبل، لا يتوقع أن تنتهي تلك الحرب التجارية والتكنولوجية بين أكبر اقتصادين في العالم قريباً جداً.
بالطبع هناك المخاطر التقليدية المتعلقة بالعالم الرقمي واستخدام الإنترنت، مثل أمن الشبكات والقرصنة، التي زادت في الآونة الماضية مع زيادة الاعتماد على الإنترنت.
أما المخاطر غير المباشرة، فمنها على سبيل المثال زيادة معدلات البطالة في الاقتصادات التي تتحول بسرعة وقوة رقمياً.
آفاق النمو
حسب تقديرات مؤسسة “أكسنشيور” للاستشارات، يشكل الاقتصاد الرقمي حالياً نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي (22 في المئة)، بينما يسهم قطاع المعلومات والاتصالات بنسبة 8 في المئة في الاقتصاد الأوروبي.
ومع توقعات زيادة النمو في الخدمات الرقمية وتحول كثير من القطاعات الاقتصادية إلى اعتماد الإنترنت والتكنولوجيا بشكل عام، يُقدَّر أن يصل حجم ما تسهم به التكنولوجيا الرقمية في الاقتصاد الأوروبي بحلول عام 2030 إلى 2.5 تريليون دولار (2.2 تريليون يورو).
ومن شأن ذلك أن يزيد من آفاق النمو في الاقتصاد الأوروبي في السنوات المقبلة. وتُعد أوروبا مجرد مثال على إمكانات النمو الاقتصادي المحتملة مع التحول الرقمي في اقتصادات الدول والمناطق الأخرى، بخاصة الاقتصادات المتقدمة والصاعدة حول العالم.