نشهد اليوم نشاطاً غير مسبوقٍ في مجال إصدار السندات، وينطبق هذا أيضاً على منطقة الشرق الأوسط تحديداً والتي شهدت هذا العام معدلات إصدار قياسي بلغ مجموعها 102 مليار دولار حتى اليوم. ولتوضيح معنى هذه الأرقام في السياق المناسب، تراوح حجم إصدار السندات بين 20 و30 مليون دولاراً في عام 2015، وقد شهد منذ ذلك الحين ارتفاعاً هائلاً مدفوعاً بإصدارات الحكومات الإقليمية بشكل رئيسي.
وفي حين تهيمن الشركات على مشهد إصدار السندات في الأسواق المتقدمة، اعتمدت شركات المنطقة عملياً على الأسهم والاقتراض المصرفي أو مزيج يجمع بينهما لتأمين التمويل المطلوب لعملياتها. وقد كانت عمليات إصدار شركات المنطقة للسندات مقتصرة على الجهات المرتبطة بالحكومة، والمؤسسات المالية أيضاً، لكن كنتيجة مباشرة لزيادة الإصدارات السيادية في المنطقة (بسبب انخفاض أسعار النفط وأزمة “كوفيد-19” مؤخراً)، ظهر أثر جانبي إيجابي يتمثل في إنشاء “منحنى العائد” بدلاً لذلك، والذي يسمح للشركات المحلية الآن بتسعير إصداراتها الخاصة للمستثمرين.
ويمثل “منحنى العائد” خطاً يوضح عائدات السندات (معدلات الفائدة) التي تمتلك نفس الجودة الائتمانية بتواريخ استحقاق مختلفة. ومن أبسطها عملية تحديد أسعار الفائدة لدولة ما بتواريخ استحقاق مختلفة – والتي تتمكن الشركات من قياستها مقارنة بإصداراتها الخاصة (يشار إليها بـ “الفارق” على العائدات الحكومية).
ومع حدوث أزمة “كوفيد-19” وتراجع عمليات الإقراض المصرفي، تفوق أداء سوق الدخل الثابت نتيجة عمليات التحفيز التي جاءت على شكل برامج شراء السندات من قبل معظم البنوك المركزية الرئيسية، وأبرزها نظام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والذي عكف على شراء سندات بقيمة تجاوزت 3 تريليونات دولار خلال هذا العام لوحده، مخفضاً العوائد وبالتالي تكاليف الاقتراض بالمجمل.
وحافظت سوق السندات على مرونتها في المنطقة على الرغم من التراجع الكبير في أسعار النفط، وخلال المراحل العديدة لأزمة “كوفيد-19″، مع استمرار اهتمام المستثمرين المتعطشين للاستثمار في السيولة المالية والباحثين عن الاستفادة من فائضهم المالي وحماية ثروتهم في خضم البحث المستمر عن العائدات النقدية.
وقال فؤاد طارق خان، رئيس قسم الاستثمار المصرفي في “شعاع كابيتال” في تصريح “للعربية.نت” “في خطوة هي الأولى على المستوى العالمي، أصدر عملاق الطاقة السعودي “أرامكو” سندات تعادل قيمتها 12 مليار دولار في شهر أبريل من عام 2019، ونجحت الشركة في استقطاب رقم قياسي من العروض بلغ 100 مليار دولار على الرغم من انخفاض أسعار النفط. وفي شهر مايو من العام الجاري، ووسط تفشي الجائحة، أصدر صندوق الثروة السيادية في أبوظبي “مبادلة”4 مليارات دولار على ثلاث شرائح، مستقطباً عروضاً بقيمة نحو ستة أضعاف من حجمها الحقيقي. وتضمنت هذه العملية إصدار أبوظبي لسندات متعددة الشرائح لأجل 50 عاماً هو الأطول على مستوى منطقة الخليج العربي، بما يعكس ثقة المستثمرين على المدى الطويل في اقتصاد دولة الإمارات. ومؤخراً، دخلت دبي مجدداً سوق الدين العالمي في شهر سبتمبر، عبر إصدار سندات بقيمة ملياري دولار للمرة الأولى خلال ست سنوات، مكونة من سندات إسلامية لمدة 10 سنوات بقيمة مليار دولار، وسندات حكومية لمدة 30 عاماً بقيمة مليار دولار”.
وأضاف خان “إن كل الأحداث السابقة تمثل عوامل مبشرة للشركات الباحثة عن تنويع مصادر رؤوس أموالها. لذلك نجد “شعاع” رائدة بالفعل في مجال الائتمان الخاص للإقراض البديل، وتسعى الآن لتوسيع أعمالها في أسواق رأس مال المقترض، مع تركيز خاص على المجالات التي تفتقر لخدمات كافية بما يشمل المقترضين من القطاع الخاص والشركات التي تفتقر إلى تصنيف ائتماني من الدرجة الاستثمارية، بما ساعدها على جمع أكثر من 800 مليون دولار خلال الثمانية عشر شهراً الماضية”.
وتابع “مع الآفاق المبشرة حالياً في الأسواق الناشئة كالتي نزاول أعمالنا فيها، برزت أهمية السندات، ليس فقط للمساعدة في تخطي العقبات الاقتصادية الحالية التي فرضتها جائحة “كوفيد-19″، بل كذلك كونها فرصة للمقترضين لتنويع مصادر رؤوس أموالهم، وللمستثمرين للمشاركة في رأس مال الشركات وللاستثمار خارج الأسهم العامة”.